الأربعاء، 17 ديسمبر 2008

مرض باركنسون.. خصائصه واساليب في علاجه ...


مرض باركنسون.. خصائصه واساليب في علاجه

جريدة الرأي : د. احمد شهاب - سمي هذا المرض باسم الطبيب الانجليزي باركنسوني وهو أول طبيب قام بوصفه قبل مائتي عام وأطلق عليه اسم الشلل الرعاشي shaking palsy وهو اسم مرعب للمريض والطبيب على حد سواء وبالنسبة للأعراض المتوقعة في المرض فهو اسم غير دقيق حيث أن المريض لا يعاني من الشلل من بطء في الحركة مع رعشة أو الرعاش.

يتميز المرض بوصفه الأصيل بحصول الأعراض التالية:

1- الرعشة .

2- Tremor البطء الحركي .

3- Bradykinesia التصلب Rigidity.

وهذه الأعراض الثلاثة شكلت الأساس والعلامات المرضية لتشخيص هذا المرض لمدة طويلة من الزمن دون معرفة الأسباب الفسيولوجية والمرضية المؤدية اليه، إلى أن تم التعرف على حصول المرض بعد حصول موجات من التهاب الدماغ النومي Encephalitis lewthargica المتسبب من ذبابة تسي تسي وحصول هذه الأعراض في بعض المرضى الذين تم شفاؤهم من هذا المرض وتم عمل الدراسات الكثيرة التي أشارت إلى إصابة الدماغ بشكل عام والعقد القاعدية بشكل خاص ثم أشارت الدراسات النسيجية إلى إصابة النواة الملونة في الدماغ الأوسط في الجزء العلوي من جذع الدماغ وهي النواة المسماة Substantia Nigra وهي كذلك لأنها تحتوي على مادة ملونة باللون البني الغامق وتسمى Neuromelanin حيث تشبه المادة الملونة في الجلد ولكنها تختلف عنها في الوظيفة وهي مميزة في الجهاز العصبي وتقوم بعمل مادة الدوبامين الضرورية لمرونة ودقة الحركة في جسم الإنسان وغياب أو اضطراب عملها يؤدي إلى صعوبة في الحركة والبطء وتصلب في الأطراف والرعاش المميز للمريض.

وبمرور الزمن تمت دراسة الأعراض السريرية بشكل أفضل وتم معرفة أسباب أخرى كثيرة للمرض منها تصلب الشرايين وبعض الغازات السامة كأول أكسيد الكربون وغازات الكبريت والسموم . بقي الجزء الأكبر من الحالات المرضية دون سبب واضح وهذه تحصل في المرضى عادة بعد عمر الستين عاماً. وتم التعرف أيضاً على حالات تحصل في صغار السن وهي غالباً وراثية أو عائلية ولكنها قليلة الحصول. وعلى العموم فهذا المرض غير وراثي ويحتمل وجوده كمرض عائلي في 5% من المرضى، أما الحالات الوراثية في صغار السن فقد تسبب مشكلة خاصة في بعض المناطق ويجب دراستها وراثياً والتعرف بدراسات جينية على المرضى وحاملي المرض من أجل الحد من انتشار هذا النوع من المرض وعلاجه.

أثار هذا المرض اهتمام الباحثين والدارسين واجريت عليه الدراسات الكبيرة من النواحي الفسيولوجية والكيميائية والنسيجية والسريرية ، وقد أشارت الدراسات إلى حصول أعراض كثيرة في المرض كإصابة الأعصاب اللإرادية واضطراب القدرات العقلية والإضرابات البولية، والإضرابات النفسية، وتم تمييز نوعين رئيسيين نوع يتميز بوجود الرعاش والأعراض الأخرى والنوع الآخر يتميز بوجود البطء الحركي والأعراض الأخرى دون الرعاش. وتم أيضاً وصف متلازمة جديدة تتميز بإضطراب الأعصاب اللإرادية بشكل رئيسي مع حصول الأعراض الأخرى Shy-Drager Syndrome تمتاز بهبوط شديد في الضغط واضطرابات الأعصاب اللارادية وغيرها ومتلازمة أخرى Steel-Richardson يتميز بأعراض الباركنسون مع إصابة الجهاز العصبي الحركي (UMN) والقدرات العقلية وغيرها من الأعراض. ويشار الى ان اضراب القدرات العقلية واضطراب الأعصاب اللارادية يرافق مرض باركنسون الأصلي في كثير من الحالات ولكنها أقل شدة عادة وتكون استجابة هؤلاء المرضى والمتلازميات للعلاج أصعب.

أما الدراسات الفسيولوجية والكيماوية فقد أسهمت بشكل كبير في معرفة العوامل الفسيولوجية والكيماوية التي تؤدي إلى حصول الأعراض المذكورة وتوافقت مع الدراسات النسيجية في فهم الضمور الشديد الذي يصيب النواة الملونة المذكورة في الدماغ الأوسط حيث تبين ضمورها والتليف وخروج المادة الملونة آنفة الذكر من الخلايا دون مرورها بالوصلات العصبية المتصلة مع النويات القاعدية الخاصة الـ Globus Pallidus وأثرها على الوصلات العصبية الأخرى في النويات القاعدية وأثرها بالتالي على القشرة الدماغية.

بعد ذلك تمت معرفـة الـدور الهام الذي تقوم به نواة ما تحت السرير Subthalamic nucleus وتم اكتشاف عدة دوائر هامة تقوم بتنظيم الحركة وتنفيذها بمرونة ودقة مع التوازن الدقيق للحركات البطيئة، ولذا فالدور الذي تقوم به هذه النويات المذكورة مع وصلاتها العصبية التي تستخدم عدة أنواع من النواقل العصبية مثل الدوبامين والاستيل كولين والجابا GABA وبشكل أقل السيروتونين ونورادرينالين مع الاتصال بالقشرة الدماغية والدوائر الوظيفية الأخرى وهذا يشكل الأسس الحديثة للوظائف الدماغية حيث تقوم به دوائر وظيفية متنوعة ومختلفة وهي غاية في التعقيد وتدل على إبداع الهي كبير، ومما يجدر ذكره ، أن لكل هذه المواد مستقبلات خاصة تتفاعل معها لتؤدي الغرض، وفي حالة المرض المذكور تم وصف خمسة مستقبلات للدوبامين في النويات القاعدية تقوم بتنظيم الحركة على هذا المستوى. عدا عن المستقبلات الأخرى التي تتفاعل معها المواد الكيماوية في الوصلات العصبية الأخرى، لذا فعلاج المرض غاية في التعقيد ويجب أن يعتمد على أسس عملية سريرية وفسيولوجية وكيماوية ونسيجية من أجل تخفيف حدة المرض وتحسن الأعراض والعلامات السريرية وتجنب المضاعفات المتوقعة من العلاج.

وقد تم استخدام مجموعات علاجية كثيرة ولكل منها آلية عمل خاصة بها ومن هذه المجموعات العلاجية:
- مضادات الفيروسات من نوع الـ Amantadine والذي يزيد من إفراز المادة الملونة دوبامين أو الدوبامين من النوية الملونة في الدماغ الأوسط وقد يكون مفيداً في بداية المرض نفسه ولنفاذ المادة الملونة، لا بد من استخدام المادة الملونة أو أشباه المادة الملونة كالدوبامين نفسه.

ان مرض باركنسون مرض ضموري يتطور ببطء ويؤثر على الخلايا العصبية في النويات القاعدية والنواة الملونة في الدماغ الأوسط ويؤدي إلى تقليل تركيز مادة النيوروملانين والتي تقوم بعمل الدوبامين والذي يساهم في تنظيم وتخطيط الحركة، وعندما تقل نسبة المادة المذكورة لأكثر من 80% تبدأ علامات المرض كالرعشة والتصلب وبطء الحركة، هذه الحركة تبدأ بنبض من القشرة الدماغية وتقوم النويات القاعدية بتنظيم توازن الحركة البطيئة والمخيخ بتنظيم و توازن الحركات السريعة ويتم هذا التنظيم من خلال تنشيط مواد خاصة في الدماغ وتنشيط دوائر خاصة أخرى وهذه الدوائر مرتبطة ومتصلة بالقشرة الدماغية ومنطقة السرير وقلة المادة المذكورة تؤثر على عمل هذه الدوائر وبالتالي تؤدي إلى زيادة نشاط النوية تحت المهاد (STN) وجزء من النويات القاعدية (GP) وتؤدي إلى بطء الحركة والتصلب وزيادة النشاط في منطقة الأخيرة يؤدي إلى حركة الرعشة. وفي هذا المرض تزداد نسبة تواجد الاستيل كولين والجلاتاميت بالنسبة لتواجد الدوبامين لذلك تزداد الأعراض المذكورة، والتوازن بين المواد المذكورة والدوائر. النوع الآخر من هذا العلاج (CR) لم يثبت زيادة في الفعالية وقد تم مؤخراً استخدام علاج جديد مثبط للأنزيم COMT في الجهاز الهضمي يؤدي إلى التقليل من تحطيم الدوبامين وأدى إلى تحسين أكثر في تزويد الدماغ بالدوبامين خاصة مع علاج الـ Levodopa والذي أدى إلى تحســـــين أكثر في مفعول العــــــلاج Levodopa-carbidopa وبقاء الدوبامين لمدة أطول ومن ثم تم خلط العلاجين Levo-carbidopa و COMT inhibitor بعلاج Stalevo مما أدى إلى نتائج أفضل في العلاج واستجابة المريض وتقليل الآثار الجانبية وتحسن الأعراض وتقليل الزيادة أو النقص.
2- العلاج المثبط لتحطم الدوبامين في الدماغ MAOB-inhibitors Siligilene ، ويتم استخدامه في بدايات المرض حيث يظهر نفعه وهو يقلل من تطور المرض.

3- العلاجات التي تشابه مفعول الدوبامين وتعطي المفعول بتنشيط مستقبلات الدوبامين في الدماغ ، وهي عدة أنواع من العلاجات ولها مفعول هام في بعض حالات المرض حيث تساعد اللغودوبا Levodopa في علاج المرض وتقلل التغيرات في الاستجابة (on and off).

4- العلاجات التي تنشط إفراز الدوبامين وهي من أول العلاجات المستخدمة سابقاً ويقتصر الاستخدام على الحالات المبكرة حيث لا تقوم بتعويض الدوبامين الناقص.

5- العلاجات التي تقلل من نشاط الاستيل كولين وتزيد من مفعول الدوبامين النسبي وهي ذات فائدة للرعشة ولها آثارها المعروفة خاصة في كبار العمر.

6- العلاجات التي تقلل من نشاط الجلاتامين وهي في مجال البحث.

العلاج الجراحي

يستخدم العلاج الجراحي في حال فشل العلاج الدوائي بسبب التغيرات الشديدة في الاستجابة أو قلة الاستجابة للعلاج أو حصول مضاعفات كالاضرابات الحركية والتشنجات وهي يشمل: أ- استئصال المناطق النشطة في النويات القاعدية.
ب- إعادة توازن المناطق النشطة أو المثبطة باستخدام التهيج الكهربائي.

وتحتاج الجراحة إلى أجهزة دقيقة جداً في تحديد موقع النويات النشطة وعمل ما يلزم ، ومن هذه الاجهزة جهاز يرتبط بجهاز التصوير الطبقي ومن ثم يتم إدخال مسبر من خلال فتحة بالجمجمة ثم استخدام تيار سريع التذبذب ذو طاقة عالية لتصل الحرارة إلى درجة عالية تقوم بإتلاف المنطقة المرغوبة بما يسيطر على التشنجات وهذه الطريقة أفضل من السابقة التي كانت تعتمد على الاستئصال الجراحي. ومن الطرق الحديثة المستخدمة اثارة مناطق المهاد ذات العلامة باستخدام مسبر موصول بمنظم كهربائي.




ليست هناك تعليقات: